سورة غافر - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (غافر)


        


{ذَلِكَ} أي: ذلك العذاب الذي نزل بهم، {بِأَنَّهُمْ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ}.
قوله عز وجل: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا} يعني فرعون وقومه {اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ} قال قتادة: هذا غير القتل الأول، لأن فرعون كان قد أمسك عن قتل الولدان، فلما بعث موسى- عليه السلام- أعاد القتل عليهم، فمعناه أعيدوا عليهم القتل {وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ} ليصدوهم بذلك عن متابعة موسى ومظاهرته، {وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ} وما مكر فرعون وقومه واحتيالهم، {إِلا فِي ضَلالٍ} أي: يذهب كيدهم باطلا ويحيق بهم ما يريده الله عز وجل.
{وَقَالَ فِرْعَوْنُ} لملئه، {ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى} وإنما قال هذا لأنه كان في خاصة قوم فرعون من يمنعه من قتله خوفًا من الهلاك {وَلْيَدْعُ رَبَّهُ} أي: وليدع موسى ربه الذي يزعم أنه أرسله إلينا فيمنعه منا، {إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ} يغير، {دِينَكُمْ} الذي أنتم عليه، {أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأرْضِ الْفَسَادَ} قرأ يعقوب وأهل الكوفة {أو أن يظهر} وقرأ الآخرون {وأن يظهر} وقرأ أهل المدينة والبصرة وحفص {يظهر} بضم الياء وكسر الهاء على التعدية، {الْفَسَادَ} نصب لقوله: {أن يبدل دينكم} حتى يكون الفعلان على نسق واحد، وقرأ الآخرون بفتح الياء والهاء على اللزوم، {الفساد} رفع وأراد بالفساد تبديل الدين وعبادة غيره.


{وَقَالَ مُوسَى} لما توعده فرعون بالقتل، {إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ}.
واختلفوا في هذا المؤمن: قال مقاتل والسدي: كان قبطيًا ابن عم فرعون وهو الذي حكى الله عنه فقال: {وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى} [القصص- 20]، وقال قوم: كان إسرائيليًا، ومجاز الآية: وقال رجل مؤمن يكتم إيمانه من آل فرعون وكان اسمه حزئيل عند ابن عباس، وأكثر العلماء. وقال ابن إسحاق: كان اسمه جبران. وقيل: كان اسم الرجل الذي آمن من آل فرعون حبيبًا {أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ} لأن يقول ربي الله، {وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ} أي: بما يدل على صدقه، {وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ} لا يضركم ذلك، {وَإِنْ يَكُ صَادِقًا} فكذبتموه، {يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ} قال أبو عبيد: المراد بالبعض الكل، أي: إن قتلتموه وهو صادق أصابكم ما يتوعدكم به من العذاب. قال الليث: {بعض} صلة، يريد: يصبكم الذي يعدكم. وقال أهل المعاني: هذا على الظاهر في الحجاج كأنه قال: أقل ما في صدقه أن يصيبكم بعض الذي يعدكم وفي بعض ذلك هلاككم، فذكر البعض ليوجب الكل، {إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي} إلى دينه، {مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ} مشرك {كَذَّابٌ} على الله.
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثني الأوزاعي، حدثني يحيى بن أبي كثير، حدثني محمد بن إبراهيم التيمي، حدثني عروة بن الزبير قال: قلت لعبد الله بن عمرو بن العاص: أخبرني بأشد ما صنعه المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بفناء الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيط فأخذ بمنكب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولوى ثوبه في عنقه، فخنقه به خنقًا شديدًا، فأقبل أبو بكر فأخذ بمنكبه ودفعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: {أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم}.


{يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الأرْضِ} غالبين في أرض مصر، {فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ} من يمنعنا من عذاب الله، {إِنْ جَاءَنَا} والمعنى لكم الملك اليوم فلا تتعرضوا لعذاب الله بالتكذيب، وقتل النبي فإنه لا مانع من عذاب الله إن حل بكم، {قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ} من الرأي والنصيحة، {إِلا مَا أَرَى} لنفسي. وقال الضحاك: ما أعلمكم إلا ما أعلم، {وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلا سَبِيلَ الرَّشَادِ} ما أدعوكم إلا إلى طريق الهدى.
{وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الأحْزَابِ مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ} أي: مثل عادتهم في الإقامة على التكذيب حتى أتاهم العذاب، {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ} أي: لا يهلكهم قبل إتخاذ الحجة عليهم.
{وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ} يوم القيامة يدعى كل أناس بإمامهم وينادي بعضهم بعضًا، فينادي أصحاب الجنة أصحاب النار، وأصحاب النار أصحاب الجنة، وينادى أصحاب الأعراف، وينادى بالسعادة والشقاوة، ألا إن فلان بن فلان قد سعد سعادة لا يشقى بعدها أبدًا، وفلان ابن فلان قد شقى شقاوة لا يسعد بعدها أبدًا، وينادى حين يذبح الموت: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت.
وقرأ ابن عباس والضحاك: {يوم التناد} بتشديد الدال أي: يوم التنافر، وذلك أنهم هربوا فندوا في الأرض كما تند الإبل إذا شردت عن أربابها.
قال الضحاك: وكذلك إذا سمعوا زفير النار ندوا هربًا فلا يأتون قطرًا من الأقطار إلا وجدوا الملائكة صفوفًا، فيرجعون إلى المكان الذي كانوا فيه، فذلك قوله تعالى: {والملك على أرجائها} [الحاقة- 17] وقوله: {يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا}. [الرحمن- 33].

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7